ثورة

أخطفُ نظرةً بين الحينِ والآخر لساعتي أخشى أن يُداهمنا الوقت ويبدأ حظر التجوال الذي فُرِضَ مؤخرًا فلا نستطيع العودة لبيوتنا. عيناكِ هادئتان كعادتك، ولساني منعقدٌ يُحاوِل أن يعبِّر عما نويته لكنَّه عاجز، أعلم أنِّي سأقولها لكِ في نهايةِ المطاف لكنني كلما حاولت أخشى من العواقب، كطفلٍ بين يدي معلمه أجلس أنا في حضرتِكِ دونَ أن أهمس، فتُسائلُني عيناكِ وكأنَّها تعرفُ ما بصدري، أهربُ من عينيكِ إلى الشارع أتابع حركة المارة، كانت الدبابات والمدرعات قد بدأت تتحرك إذانًا بأنَّ ساعة الحظرِ قد اقتربت، أردتِ الرحيلَ قبل أن يتأخرَ الوقت، استوقفتُكِ وقلتُها لكِ: أحبكِ!!

القمرُ بدرٌ يملأ السماء والشوارعُ تستمدُ منه نورًا خافتًا لا تحتاج إلى ضوءِ المصابيحِ المنقطعةِ عنها الكهرباء، والمارة قد هدأت خطواتُهم كما انخفضت أصواتُهم ، تتشابكُ أيادينا ونحن نتجول في الشوارعِ بغيرِ وجهة، دائمًا ما تقتنصينَ الفرصةَ كي تتأبطينَ ذِراعي، أخشى عليكِ نظراتِهم وكلامَهم، أما أنتِ فترين دائمًا أنَّ الحبَ لابدَ أن يحملَ ملامحَ ثورة، لا يهتم لأحد، ولا يخشى شيئًا، أفكر كثيرًا في كلامِك فيُعجبني، أسرحُ بخيالي وأتخيل الحياةَ معكِ، لكنِّي أعرف أنَّ ذلك مستحيل.

ككلِ العشاقِ والمحبين، رأينا العالمَ بلونٍ مختلف، لم تزعجنا صوتُ الرصاصات في المدى ورائحةُ الغازِ المقتربة، نعيشُ في عالمِنا وحدنا، نعبرُ طُرقات المدينة ونُدوِّن ذكريات في شوارعها وطرقاتها، نهجرُ بعضَنا ونشتاقُ فنعود، نتعاتب ونغفر، تُسيطرُ علينا النشوة فنظن أننا بلغنا مبلغًا لم يبلغه أحدٌ قبلنا، وفي الحقيقةِ كنا ككل العشاق نسير وفق كتاب العشق المُكرر، لم يُسعفنا خيالنا أن نخرجَ عن النص.

تسألينني بعينٍ تحملُ إجابة: هل تعلم لماذا لم تنجح ثورتُنا؟، وتُكملين كلامَكِ كعادتك، بأنَّ ثورتَنا بلا خيال، لا تقدرُ على رسمِ مستقبلٍ من خيالِها، فتقعُ أسيرةً لأي تصورٍ يُطرحُ عليها، فيتلاعبُ بها أصحابُ الخيالات وراسمو السيناريوهات، أُجيبُكِ: هل نحملُ تصورًا لمستقبلِنا؟ لكنكِ تُسندينَ رأسكِ لكتفي وتبتسمين دون جواب.

هل تعلمينَ لماذا تنتهي كُلِ قصصِ الحبِ دائمًا ولا تستمر؟ تساءلتُ كثيرًا عن السببِ بعد أن افترقنا، لأننا جُبناء نخشى دائمًا المغامرة، نحنُ نحيا الجزءَ الرومانسي في الحياة وحين تحينُ المفاجأة نهربُ إلى حيث لا ندري، حتى لو كُنا نهدمُ كلَ ما بنيناه، فالهدمُ أسهلُ كثيرًا من الصدام.

أُحاولُ أن أنساكِ كثيرًا، لكنَّ الأمر غير سهل مطلقًا، أراكِ في كلِ الشوارعِ وفي أسماء المحلات والمقاهي، وفي أعينِ النساء، كأنهنَّ جميعًا أنتِ، هربتُ منكِ في كلِ الأماكنِ لأجدَكِ في الأماكنِ الأخرى، سكرتُ فرأيتكِ هلاوسي، مَجَنتُ فرأيتُكِ عاهرتي، وحين تصوَّفتُ رأيتُكِ في وجهِ القمر، لكنِّي لا أُقرر أبدًا أن أهربَ من كلِ هذا وأعودَ إليكِ، أُفضِّلُ أن أهربَ منكِ إلى خيالي حتى لو أصبح اسمك محرم أن ينطقه لساني.